من إعداد الطالب الباحث: ياسر بيحيى ماستر الحكامة وسياسة الجماعات الترابية جامعة عبد المالك السعدي بتطوان
تقديم عام:
منذ القِدم والبشرية تتعرض لمجموعة من المخاطر التي تهدد حياتها ، سواء كانت مخاطر طبيعية أو تكنولوجية، إلى حين وقتنا هذا الذي عرف ظهور فيروس كورونا أو الالتهاب الرئوي الحاد التاجي المستجد، حيث انتشر في الشهور الأخيرة وتطور و أصبح كابوس لجميع دول العالم.
وشرعت جميع الدول بما فيها المغرب في تطبيق حالة الطوارئ الصحية مباشرة بعد ظهور الحالات الأولى المصابة بفيروس كوفيد-19، وعمل على اتخاذ سلسلة من الإجراءات للحد من انتشار هذا الوباء؛ من أهمها إصدار مرسوم قانون رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها من أجل سد الفراغ التشريعي القائم. كما اتخذت السلطات العمومية مجموعة من التدابير للتخفيف من الآثار الاقتصادية والاجتماعية لتفشي الفيروس على مستوى ميزانية الدولة، كإحداث حساب خصوصي بعنوان: "الصندوق الخاص لتدبير ومواجهة وباء فيروس كورونا"، وتم خلق لجنة اليقظة الاقتصادية لتتبع الوضع القائم، والتي قامت باتخاذ رزمانة من الإجراءات، وذلك في ظل السياق الاقتصادي العالمي والوطني المتأثر بالتداعيات السلبية لهذه الجــــــائحة.
الإشكالية
على ضوء هذا التقديم العام كيف يمكن أن نلامس الدروس الإيجابية التي ستتركها لنا الجائحة ؟
لا سِيما أن الأزمات مهما كانت مأساوية تكون لها جوانب إيجابية لا تحصى، فهي توقظ البشر من غفلاتهم، وتولد نماذج عمل جديدة ما كان البشر لينتقلوا إليها لو استمروا بممارسة حياتهم بالروتين المعتاد، لذلك يجب استخلاص مجموعة من الدروس في ظل هذه جائحة والاستفادة منها مستقبلا ( المحور الأول ).
و كيف يمكن أن نلامس دور الجماعات الترابية في المجال الصحي و التدابير الوقائية الواجب وضعها ؟
اعتباراً أن الجماعات الترابية من الأطراف المعنية والمسؤولة إلى جانب الدولة عن الصحة العمومية، بحيث خولت لها القوانين التنظيمية الثلاث (111.14 – 112.14 – 113.14) مجموعة من الاختصاصات و الصلاحيات التي تجعلها متدخلا في الشأن الصحي. ( المحور الثاني ).
المحور الأول : الدروس المستفادة من جائحة كورونا
لا يخفى على أحد أن كثيراً من الأمم استغلت الكوارث والحروب لتعلن عن نفسها كقوة عالمية أو إقليمية، و نحن اليوم، أغنياء وفقراء، دولا مصنعة ومتخلفة، أمام وضع لم يكن أحد يتخيل أن نواجهه يوما ما، وبكل تأكيد، فإن ما عشناه في الأسابيع الماضية وما سنعيشه في الأيام المقبلة سيظل سابقة كونية لم يشهد مثلها التاريخ لكثير من الاعتبارات التي يدركها الجميع والتي لا يسع المجال للحديث عنها اليوم، ومما لا جدال فيه أن هذه التجربة الإنسانية الفريدة التي نعيشها ستحدث انقلابات استراتيجية عميقة ستطبع عالم الغد، سواء على صعيد صياغة التوازنات أو بلورة هندسة جديدة للعلاقات الدولية ومراكز النفوذ الجديدة.
و قد تفاجئ الكثير من المغاربة والعديد من العواصم العالمية من الطريقة الاستباقية والمهنية والمتبصرة التي تعامل من خلالها المغرب مع جائحة كورونا، والتي مكنته من تفادي انتشار مهول للوباء في البلاد، وبالتالي إنقاذ حياة عشرات الآلاف من الأرواح.
فبالإضافة إلى الإسراع في غلق الحدود وفرض حالة الطوارئ وإنشاء صندوق لمواجهة التداعيات الاقتصادية والصحية لهذه الجائحة، وبناء مستشفيات ميدانية مجهزة بكل المعدات الضرورية لاستقبال المرضى، رأينا كيف عبّأ المغرب كل كفاءاته وطاقاته من أجل تزويد كافة مكونات الشعب المغربي بالمعدات الضرورية للوقاية من انتشار الوباء، على رأسها الكمامات.
ورأينا كيف تجاوبت كل مكونات المجتمع المغربي بكل وعي ووطنية ومسؤولية مع الخطوات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة للحد من انتشار الوباء والتخفيف من تداعياته الصحية والاجتماعية والاقتصادية.
لكن كل هذه المكتسبات قد تنذثر إذا لم تستخلص الدولة المغربية والمجتمع المغربي العِبر من هذه الجائحة لبناء ميثاق وطني جديد يكون قوامه السيادة في اتخاذ القرارات بمعزل عن أي تأثيرات خارجية وإصلاح التعليم وجعله يساير المتغيرات المتسارعة لعالم اليوم وإصلاح المنظومة الصحية.
كما ينبغي أن يرتكز الميثاق المجتمعي الجديد على تشجيع البحث العملي في شتى المجالات وجعله أولى الأولويات التي ينبغي تسخير جميع الإمكانيات والطاقات البشرية لتحقيقها، وسد الفجوة الرقمية والعمل على إنشاء مختبرات علمية بمواصفات عالمية من شأنها ليس فقط الإبقاء على الكفاءات الوطنية في المغرب، بل على استقطاب خيرة الأجانب للعمل فيها.
و كما ذكرنا سابقا أنه على الرغم من الآثار السلبية، من الممكن أن نستخلص من هذا الوباء بعض الدروس الايجابية وليس هذا فقط بل أن نتبنى هذه الدروس حتى تصبح جزءا من حياتنا.
الإدارة المثلى للموارد المالية
سواء على مستوى الدولة أو الجماعات الترابية، فالدولة إن استثمرت في قطاعين مهمين هما الصحة والتعليم تكون قد انفقت مواردها فيما يعود أثره على كل المواطنين. والجماعات الترابية إن خصصت موارد مالية مهمة من الميزانية للأزمات والمخاطر ستعود بالنفع عليها.
الاهتمام بالثقافة
بحيث أن شعوب العالم العربي على ذيل قائمة الدول من حيث معدل القراءة. فإذا سألت أحدهم عن اخر كتاب قرأه فمن المؤكد ان اجابات المعظم ستكون الصمت، وهو صمت غير مقبول وخصوصا ان الفضاء الالكتروني يحتوي على الكثير من الكتب الالكترونية ونستطيع قراءتها مجانا بدل ان نضيع اوقاتنا على صفحات التواصل الاجتماعي.
التخلي عن العادات الخاطئة
في مناسباتنا الاجتماعية هناك الكثير من العادات غير الصحية يجب التخلص منها على سبيل المثال التقبيل وطريقة تقديم الطعام في الولائم. فما المانع من ان نكتف بالمصافحة في الظروف العادية.
و كما ذكرنا سابقا أنه على الرغم من الآثار السلبية، من الممكن أن نستخلص من هذا الوباء بعض الدروس الايجابية وليس هذا فقط بل أن نتبنى هذه الدروس حتى تصبح جزءا من حياتنا.
الإدارة المثلى للموارد المالية
سواء على مستوى الدولة أو الجماعات الترابية، فالدولة إن استثمرت في قطاعين مهمين هما الصحة والتعليم تكون قد انفقت مواردها فيما يعود أثره على كل المواطنين. والجماعات الترابية إن خصصت موارد مالية مهمة من الميزانية للأزمات والمخاطر ستعود بالنفع عليها.
الاهتمام بالثقافة
بحيث أن شعوب العالم العربي على ذيل قائمة الدول من حيث معدل القراءة. فإذا سألت أحدهم عن اخر كتاب قرأه فمن المؤكد ان اجابات المعظم ستكون الصمت، وهو صمت غير مقبول وخصوصا ان الفضاء الالكتروني يحتوي على الكثير من الكتب الالكترونية ونستطيع قراءتها مجانا بدل ان نضيع اوقاتنا على صفحات التواصل الاجتماعي.
التخلي عن العادات الخاطئة
في مناسباتنا الاجتماعية هناك الكثير من العادات غير الصحية يجب التخلص منها على سبيل المثال التقبيل وطريقة تقديم الطعام في الولائم. فما المانع من ان نكتف بالمصافحة في الظروف العادية.
الرقمنة
إن تحديث وتطوير الإدارة العمومية وعصرنة خدماتها عن بعد وأيضا تكوين وتهيئة موظف إلكتروني سَيُسهل خدمات القرب من المواطنين و بالتالي الولوج إلى الخدمات عن بعد. ليتضح للجميع من خلال هذه الطوارئ الصحية أنه يجب الاستثمار في الرقمنة والتقنية في الإدارة الترابية، حيث أن قوة الدول هو الاستثمار في الرقمنة مع تحديث الأجهزة الإدارية في المجال الترابي بوسائل حديثة ومتطورة لمسايرة الدول الرائدة في التنمية الترابية من أجل تدبير أمثل وأنجع للشأن العام الترابي.
إن الدروس التي يمكن الاستفادة منها كثيرة، وبعد أن تنتصر البشرية على هذه الوباء يجب أن نعيد تقييم أسلوب حياتنا فما بعد كورونا ليس كما قبلها.
إن ما بعد كورونا يجب أن يدفع نخبنا إلى التفكير الجماعي لما يجب أن يكون عليه المغرب غدا، دولة قوية باحترام القانون وحقوق الإنسان، دولة جادة في معالجة العجز الاجتماعي ومحاربة الفقر وكل أشكال الفساد، وآلة حريصة على دعم جبهتنا الداخلية وتلاحم مجتمعنا في مشروع جماعي يستهدف كرامة الإنسان ونهضة البلاد ومناعة الاقتصاد الوطني وتساوي الجميع في الحقوق والواجبات في ظل دولة الحق والقانون.
نحن الآن أمام مسؤولية عظيمة، وبناءً على تجارب أمم ناجحة وبعيدا عن أي تجاذبات إيديولوجية، وانطلاقا مما أفرزه الواقع المعيش، فالتعليم هو حجر الزاوية في أي تقدم، وقد حان الوقت لنعطيه كل ما يستحقه من إمكانيات، والصحة نفسها ليست سوى أطر صحية متعلمة بشكل جيد، لتكون في المستقبل أطباء وممرضين، و يجب ان لا يمر هذا الوباء دون اخذ العديد من الدروس والعمل بها مستقبلا من أجل تحسين جودة الخدمات ومن اجل الرقي بالإدارة بشكل عام وتقديم خدمات القرب لدى المواطنين في أحسن و الظروف الممكنة وتسريع وتيرة الخدمات من خلال تطوير الدارة الإلكترونية ، و على الرغم من الضرر الاقتصادي والنفسي الذي تسببت فيه جائحة كورونا للملايين من المغاربة، فإنها تعتبر فرصة تاريخية على الدولة وجميع مكونات المجتمع المغربي استعمالها كنقطة بداية لإصلاح التعليم وبناء نموذج اقتصادي جديد ينبذ الريع ويكون أحد أهم أهدافه التقليل من الواردات ومن العجز التجاري وتعزيز قدرات البلاد في القطاعات الصناعية ذات القيمة المضافة العالية، لنكن مؤمنين بمبدأ “الحــــــاجة أم الاخــــتراع”.
المحور الثاني : دور الجماعات الترابية في المجال الصحي و التدابير الوقائية اللاّزم وضعها
تلعب الجماعات الترابية اليوم دوراً مهماً في مسلسل التنمية المحلية اعتباراً للأهداف المتوخاة من الجهوية المتقدمة و استناداً إلى مبدأ التفريع للجهات وباقي مكونات الجماعات الترابية الأخرى واستجابةً لصلاحيتها وللاختصاصات الجديدة المخولة لها في ظل هذه الظروف الاستثنائية التي نعيشها جميعا، لنجدها شريكا أساسيا للدولة في حفظ وحماية صحة المواطنين، تنزيلا لما نصّ عليه الدستور من ضرورة العمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير استفادة المواطنات والمواطنين من الحق في العناية الصحية. كما مكّن المشرع رئيس الجماعة من خلال ممارسة صلاحيات الشرطة الإدارية من اتخاذ كل التدابير اللازمة لتجنب ومكافحة انتشار الأمراض الوبائية والخطيرة.
عندما ننظر إلى الاختصاصات الذاتية للجهات والعمالات والأقاليم سنلاحظ غياب شبه كلي للمجال الصحي داخل تلك الاختصاصات و أن مجال تدخل الفاعل الترابي محدود بشكل كبير في المجال الصحي سواء في الحالة العادية أو في حالة الطوارئ الصحية، حيث كشف انتشار هذا الوباء الحضور غير المتناسب مع المكانة الدستورية التي أعطيت للجماعات الترابية.
وبالرغم من المكاسب العديدة التي أتت بها القوانين التنظيمية الثلاث التي تهدف أساسا إلى تقوية دور الجهات والعمالات والأقاليم، أظهرت الممارسة العملية محدودية الصلاحيات الموكولة إليها في المجال الصحي، بل وفراغا قانونيا حتى على مستوى التدابير اللازمة الناتجة عن انتشار الأمراض الوبائية أو الخطيرة.
وفي هذا السياق، وارتباطا بالاختصاصات الذاتية للجهات، يتضح أن المشرع أغفل هذا المجال رغم أهميته، بالرغم أنه قد ألقى عليها مسؤوليات عديدة للنهوض بالتنمية الجهوية، (التنمية الاقتصادية، التكوين المهني والتكوين المستمر والشغل، التنمية القروية، النقل، الثقافة، البيئة..) ووفق برنامج جهوي يضعه المجلس خلال السنة الأولى من مدة انتدابه.
أما على مستوى الاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة لم يتضمن القانون التنظيمي أية إشارة لتدخل الجهة في الميدان الصحي، ما عدا في مجال التنمية الاجتماعية (التي همت التأهيل والمساعدة الاجتماعية دون تحديد إن كان مجال الصحة ضمن هذه التنمية)، كما يمكن للجهات أن تتولى ممارسة بعض الاختصاصات المنقولة من طرف الدولة ، ومنها ما يلي : ( الصحة ، التعليم ، الطاقة و الماء والبيئة) ، وإذا كانت الاختصاصات المشتركة والمنقولة هي الإشارة الوحيدة لمجال تدخل الجهات، فإن تدخل العمالات والأقاليم حسب أحكام القانون التنظيمي المتعلق بها، قد حدد آلية واحدة تتمثل في "تشخيص الحاجيات" كأهم اختصاص ذاتي يمكن أن تمارسه في مجال " الصحة " إلى جانب السكن والتعليم والوقاية وحفظ الصحة داخل نفوذها الترابي، فضلا عن التأهيل الاجتماعي في الميادين الصحية بشراكة مع الدولة.
كما خص المشرع الجماعات داخل دائرتها الترابية بمهام تقديم خدمات القرب للمواطنات والمواطنين، ولهذه الغاية تمارس الجماعة اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة وأخرى منقولة إليها من طرف هذه الأخيرة.
وبالعودة للمجال الصحي ومقارنة مع الجهات والعمالات والأقاليم، يظهر أن المشرع قد أقر بشكل جلي العديد من الاختصاصات في ذات الموضوع؛
سواء داخل الاختصاصات الذاتية المتصلة بالمرافق والتجهيزات العمومية الجماعية، حيث يتمثل دور الجماعات بإحداث المرافق والتجهيزات العمومية لتقديم خدمات القرب، ومنها في ميدان حفظ الصحة.
وفي هذا الصدد، يمتلك مجلس الجماعة في إطار مبدأ التدبير الحر سلطة تداولية واسعة في عدد من القضايا؛ ومن بينها تلك المرتبطة بالتدابير الصحية والنظافة، من خلال إحداث وتنظيم المكاتب الجماعية لحفظ الصحة أو باتخاذ التدابير اللازمة لمحاربة عوامل انتشار الأمراض.
وإلى جانب ذلك، تعتبر برامج عمل الجماعات المجال الحيوي لأعضاء مجالس الجماعة للتقدم باقتراحات والتصويت على المشاريع التي تهم تجويد الخدمات الصحية، خصوصا وأنه يتضمن تشخيصا لحاجيات وإمكانيات الجماعة. فضلا عن صيانة المستوصفات الصحية الواقعة في النفوذ الترابي للجماعة بشراكة مع الدولة.
وفي الحالة هذه للطوارئ الصحية، وارتباطا بالمسؤولية الموكولة لمجالس الجماعات في محاربة الأوبئة وحفظ الصحة، تشكل الميزانية المدخل الفعال لاتخاذ التدابير اللازمة للمساهمة في مكافحة انتشار هذا الوباء، من خلال إجراء تحويلات بميزانية الجماعة لفائدة قطاع حفظ الصحة والاستغناء عن الأسطر المالية غير الضرورية المحددة في تبويب ميزانية الجماعة.
تشكل التدابير اللازمة المرتبطة بالنظافة وتعقيم الساحات العمومية والشوارع والأزقة ومواقف الحافلات والأسواق والمرافق العمومية ووسائل النقل، إلى جانب تقريب وتقديم خدمات القرب بتوفير السلع والمنتوجات الضرورية وبتوزيع وسائل للتعقيم والتكفل بأداء فواتير الماء والكهرباء خاصة في بعض الجماعات ذات الطابع القروي للتقليل من تنقل وحركة المواطنات والمواطنين للأسواق والمدن، أحد أهم الاجراءات الاحترازية التي اتخذتها الجماعات لمواجهة انتشار وباء كوفيد-19 المستجد، تماشيا مع التدابير المقررة في المرسوم المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية .
بالموازاة مع ما سبق ذكره، يمكن القول إن الجماعات الترابية بعد إعلان حالة الطوارئ الصحية، تركز دورها أساسا في التحمل المؤسساتي والتضامن التطوعي الجماعي للأعباء في الصندوق الخاص بتدبير هذه الجائحة، تنفيذا للتوجيهات الملكية القاضية بإحداثه، وتنزيلا للخيارات الدستورية المتمثلة في الفصلين 31 و 40 من الدستور، علاوة على اتخاذ عدد من التدابير الاحترازية للوقاية من انتشار وباء كوفيد-19 المستجد، تماشيا مع التدابير الحكومية.
بعد قراءتنا للقوانين التنظيمية الثلاث وتوضيح دور الجماعات الترابية في المجال الصحي والصلاحيات التي منحها المشرع في هذا الإطار، يعد انخراط الجماعات الترابية في تنفيذ التدابير الاحترازية والوقائية التي أعلنتها السلطات العمومية الوطنية ضرورة ملحة ، كما أن مجالس و رؤساء الجماعات الترابية مطالبون بتعبئة الموارد المادية والبشرية الكافية للمساهمة في محاصرة الوباء من جهة، وضمان المعيش اليومي للأسر التي فقدت مناصب شغلها بسبب توقف عدد من الأنشطة الاقتصادية من جهة ثانية.
ومن أجل ذلك يجب على الجماعات الترابية إعادة النظر في الأولويات المسطرة وتكثيف ميزانية الجماعات الترابية مع هذه الظرفية، ومن أجل تسهيل مأمورية الجماعات في اتخاذ مثل هذه المبادرات والسرعة التي تتطلبها الظرفية، أرسلت وزارة الداخلية بتاريخ 26 مارس 2020 منشور للجماعات لإجراء تعديلات في الميزانية وتحويلات في الفصول لتوفير الاعتمادات المالية اللازمة والمطلوبة لمواجهة تداعيات وباء ''كوفيد 19''، وبناء على ذلك فالجماعات الترابية مطالبة باتخاذ كل الإجراءات التي املتها الظرفية الخاصة ،
كاقتناء الحاجيات والمتطلبات اليومية للمواطنين عبر سندات الطلب أو التفاوض في حالة الاستعجال القصوى.
اقتناء مواد التعقيم والمطهرات ومواد التنظيف والكمامات وتوزيعها على المواطنين الذين لا تسمح لهم ظروفهم الاجتماعيات لاقتنائها.
قتناء المواد الغذائية الأساسية وتوزيعها على الفئات الفقيرة والتي فقدت مصدر عيشها.
توفير سيارات الإسعاف وسيارات نقل الأموات ولنقل الحوامل إلى المستشفيات مجانا، بعد توقف النقل الحضري وسيارات النقل العمومي، وتقييد حركة تنقل الخواص.
الانخراط في الحملات التحسيسية والتوعوية الهادفة إلى شرح مخاطر الوباء وكيفية الوقاية منه.
مساعدة تلاميذ الوسط القروي في متابعة دراستهم عن بعد.
إن تفعيل أدوار الجماعات الترابية لا يقتصر على النصوص القانونية فقط وإنما يجب أن يترجم بواسطة إجراءات ملموسة تبرهن عن إرادة قوية في التدبير الأنجع.
ومن تمة، يتضح الدور المحوري للجماعات في التقليص من حدة الأوبئة الناجمة عن الكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد والتقليل من حدة تفشي الوباء انطلاقا من موارد مالية ذاتية وموارد مالية مرصودة من قبل الدولة.
كما تعمل الجماعات في ظل هذا الوضع على تجنيد موظفيها وكذا عمال الإنعاش الوطني من أجل القيام بعمليات التعقيم في الأحياء والشوارع والساحات العمومية والإدارات، ونظرا للطبيعة التقديرية للميزانية الجماعية والطبيعة الفجائية والمباغتة للأوبئة وسرعة انتشارها ، حيث يتعين على المجالس رصد الاعتمادات الكافية للقيام بهذا الدور، وذلك من خلال مجموعة من الأليات التي تسمح بتغيير ملامح الميزانية ، من أبرزها الميزانية المعدلة وإمكانية تحويل الاعتمادات، وقد أصدرت وزارة الداخلية في هذا الصدد دورية تحت رقم f/1248 بتاريخ 28 مارس 2020 تسمح من خلالها لرؤساء مجالس الجماعات الترابية بمختلف مستوياتها بتعديل الميزانيات دون اللجوء إلى مداولة المجالس، سواء ببرمجة اعتمادات جديدة أو بإعادة البرمجة عن طريق التحويلات وذلك بتنسيق وتأثير سلطة المراقبة .لهذا يجب على الجماعات الترابية اتخاذ إجراءات استثنائية واستعجالية للحد من تفشي هذا الوباء والتصدي لتداعياته الاجتماعية بانخراط مستوياتها الثلاث في تنفيذ التدابير الاحترازية والوقائية التي أعلنتها السلطات العمومية الوطنية بتنسيق مع ممثل السلطات الإقليمية والمحلية.
إن هذه الظروف الاستثنائية التي يمر منها المغرب شأنه شأن باقي دول العالم من تفشي وباء “كوفيد 19″، وعلى الرغم من التدابير الوقائية المتخدة في هذا الصدد بشكل استباقي واستعجالي للحد من تفاقم الحالة الوبائية لهذا الفيروس، إلاّ أن أذهاننا تخالجها أفكار متعددة حول تداعيات كوفيد19 مستقبلا على الجماعات الترابية في تدبير الشأن العام المحلي، خصوصا في المستويين الاقتصادي و الاجتماعي، لأن ما يلاحظ مع هذه الجائحة هو الحضور القوي للدولة المركزية مقابل تراجع اللامركزية ، في الوقت الذي كان من المفروض تعزيز هذه الاخيرة خصوصا مع تبني خيار الجهوية المتقدمة مع دستور 2011، وأعتقد أنه من بين مظاهر تخلف نظام اللامركزية بالمغرب مخاطبة مختلف أصناف الجماعات الترابية بقرارات ودوريات وزارة الداخلية تحت السلم الإداري للعمال والولاة كأنها مجرد أقسام أو مصالح تابعة لهذه الوزارة ( وآخرها دورية إلغاء الدورة العادية لشهر ماي للجماعات) في حين أن الدستور المغربي يعتبر الجهة والجماعات الترابية الأخرى وحدات ترابية تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلالين الإداري والمالي، وبالتالي كان من المفروض مخاطبتها بمرسوم تحدد فيه مختلف الإجراءات التي تشتغل بها هذه الجماعات طيلة مدة الحجر الصحي، بل كان يجب تعزيز دور الجهات في مواجهة الجائحة وليس الإكتفاء فقط بتقديم إحصائيات انتشار الفيروس جهويا. وعليه، يجب الحد من مركزية المركز حيث أن هذه الجماعات تعززت مكانتها دستوريا وقانونيا وتنظيميا ولم تعد تحتاج إلى “وصاية” وبالتالي وجب إعادة النظر في طبيعة العلاقة بين المركز و المحلي،
من خلال الاهتمام بالسياسات الاجتماعية المحلية والسياسات الصحية المحلية، وبالتالي بعد مرور هذه الأزمة وجب توظيف أطر الصحة في عدد من الجماعات، كما يجب على الجماعات الترابية ان تحرص على التنسيق الدائم مع ممثلي السلطات المحلية على المستوى الترابي المتمثلة في الولاة والعمال وباقي المسؤولين على المستوى الترابي احتراما للمادة الثالثة من مرسوم حالة الطوارئ الصحية. وأيضا ضرورة توفر كل جماعة ترابية على خطة للطوارئ الصحية من اجل حفظ الصحة العمومية وضمان سير خدمات المرافق العمومية، و توسيع صلاحيات و اختصاصات المجالس الترابية من اجل التدخل في مجالات محددة مرتبطة بالمواطنين كالرعاية الاجتماعية والصحة والتعليم و كذا توسيع اختصاصات المجالس الجماعية في تدبير مثل هذه الأزمات والمخاطر المفاجئة، إضافة إلى ذلك يجب التنصيص على مستوى القوانين التنظيمية للجماعات الترابية على حالة الطوارئ الصحية حيث نجد أن هناك فراغ دستوري في هذا المجال أي تضمين القوانين التنظيمية بمقتضيات استثنائية يدبر بها الزمن الاستثنائي وعدم انتظار توجيهات و قرارات الوزارة الداخلية. علاوة على ذلك ، يجب أن يكون هناك إصلاح عميق في الجبايات المحلية ، بحيث على الجماعات الترابية الاشتغال على تنمية الموارد الذاتية وعدم الاعتماد على موارد الدولة حيث أن الميزانية المحلية تكون أقل تأثير وضررا من ميزانية الدولة في هذه الظروف، بالموازاة مع ذلك، قامت وزارة الداخلية بإصدار دورية تحت رقم 6578 بتاريخ (15 أبريل 2020) حول التدبير الأمثل لنفقات الجماعات الترابية برسم سنة 2020 هذا المنشور يحث رؤساء مجالس الجماعات الترابية على تعليق وتأجيل الالتزام بالنفقات غير الضرورية في الوقت الراهن، لكن مع ضمان تنفيذ النفقات الإجبارية وتلك المتعلقة بمواجهة هذه الجائحة وآثارها، إذن، في ظل جائحة كوفيد-19؛ يجب الانتباه إلى المخاطر المالية لما بعد كورونا، خصوصا أن منحى المداخيل الذاتية قد تعرف تراجعا وأن إمدادات الدولة لربما ستعرف تقلصا، وهذا يتطلب الحزم من جهة، والتقشف من جهة أخرى، في تدبير النفقات العمومية المحلية.
الخاتمة
ختـامـاً، يمكن القول أنه بالرغم من المكاســـــب الدســـــتورية والقانونية التي همت الاختصاصات الموكولة للجماعات الترابية، يبقى دور مجـالس الجمـاعـات الترابيـة محدودا في المجال الصـــــحي بشـــــكل عام وفي الحالات الاستثنائية المرتبطة بانتشار الأمراض الوبائية أو الخطيرة.
لذلك فإن حالة الطوارئ الصــــــحية التي يعيشــــــها المغرب وباقي دول العالم هي حالة واقعية تســــتدعي اســــتحضــــارها في المراجعات التي قد تطال تعديل الدســــتور والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية، بنفس يتجه إلى توســــيع مجال تدخل الجماعات الترابية في المجال الصــــحي وكذا في الحالات الاستثنائية الناجمة عن انتشــــار الأمراض الوبائية أو الخطيرة، و على جميع الجماعات الترابية الانخراط في المبادرات التي اتخذتها السلطات العمومية ، وأن تعمل على التنسيق الدائم مع ممثلي السلطات المحلية على المستوى الترابي .
المراجع المعتمدة
- ظهير شريف رقم 1.15.83 صادر في 20 من رمضان 1436 (7 يوليو 2015) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات.
- ظهير شريف رقم 1.15.84 صادر في 20 من رمضان 1436 (7يوليو 2015) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والاقاليم.
- ظهير شريف رقم 1.15.85 صادر في 20 من رمضان 1436 (7يوليو2015) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات.
- مرسوم رقم 2-20 -269 الصادر بتاريخ 16 /03 /2020 بإحداث حساب مرصد لأمور خصوصية يحمل اسم "الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا كوفيد-19 "..
- مرسـوم بقانون رقم 2-20 -292 بتاريخ 23 /03 /2020 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها.
- مرسوم رقم 2-20-293 بتاريخ 24 /03 /2020 ،بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا كوفيد19.
- مرسوم رقم 2.20.371 صادر في 25 من رمضان 1441(19 ماي 2020) بتمديد مدة سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا .
- ذ.محمد الكميري باحث في القانون الإداري وعلم الإدارة : دور الجماعات الترابية في المجال الصحي
- ذ.سمير بنيس خبير مغربي في العلاقات الدولية: الدروس المستخلصة من جائحة كورونا من أجل بناء مغرب أفضل.
- أوجار: دروس "ما بعد كورونا".. الإرادة الجديدة والتعبئة الشاملة.
- مصطفى لغتيري : المغرب ما بعد كورونا.
- عبد الغفور أيت السي الطيب ، طالب باحث : الجماعات الترابية ودورها في الحد من تداعيات فيروس كورونا.
التعبيراتالتعبيرات
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.