أصدرت المحكمة الإدارية بوجدة حكمها الذي يقضي بإدانة جماعة الناظور بسبب قتل الكلاب بالرصاص الحي، بناء على شكاية تقدمت بها جمعية “أمم” للرفق بالحيوان وحماية البيئة التي تنشط بالمدينة نفسها.
الحكم الصادر بتاريخ 8 نونبر الجاري، الذي يُلزم الجماعة في شخص رئيسها بأداء تعويض قدره 6000 درهم للجمعية، أكد أن ركن الخطأ ثابت في حق الجماعة، كما قدم تعليلا بالاستناد إلى مقتضيات القانون والشرع.
الوقائع
بحسب نص القرار تقدمت نفيسة شملال، بصفتها رئيسة للجمعية المذكورة، بمقال لدى المحكمة الإدارية بوجدة في فبراير الماضي، تشتكي فيه قيام مصالح الشرطة الإدارية التابعة لجماعة الناظور بعملية تقتيل للكلاب الضالة تخللتها مشاهد مروعة وأصوات إطلاق الرصاص الحي في وقت مبكر.
واشتكت شملال من “مناظر جثث الكلاب المقتولة والمجروحة والدماء على الأرصفة والطرقات”، واعتبرت أن عملية التقتيل تمت خارج الضوابط القانونية والاتفاقية الموقعة في 2019 بين وزارة الداخلية والمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية ووزارة الصحة والهيئة الوطنية للأطباء البياطرة، التي تنص على أنسنة التعامل مع الكلاب والقطط الضالة.
الشكاية أشارت إلى أن إبادة الكلاب تعتبر “خطأ ينسب إلى الإدارة من خلال استعمال الرصاص الحي المثير لأزيز قوي ومفاجئ في وقت مبكر من الصباح وترك الدماء بالأرصفة دون محو آثارها”، وهو ما اضطر الجمعية إلى معالجة الكلاب المجروحة ومحو آثار الدماء، وطالبت بتعويض عن الضرر قدره 10 آلاف درهم، معززة ذلك بفواتير مسلمة من عيادات الطب البيطري.
في تفاعله مع الشكاية، طالب الوكيل القضائي للمملكة، الذي ينوب على مصالح الدولة، بعدم قبول طلب الجمعية لكونه لا يرتكز على أي أساس قانوني لأن الدعوة موجهة لعدد من المؤسسات لا توجد بينهما أي رابطة قانونية، في إشارة إلى أن الشكاية مرفوعة أيضا ضد وزير الداخلية وعامل إقليم الناظور ورئيس الحكومة.
جماعة الناظور ردت بمذكرة جوابية تقول إن تدخلها يتم وفق ما أوجبه القانون والدوريات المنظمة لهذا الشأن وفي احترام تام لمشاعر المواطنين، وقالت: “غير أنه يلاحظ أن بعض التدخلات الميدانية تكون من قبل بعض المواطنين بصفة شخصية وانفرادية تؤدي إلى قتل الكلاب أو تسميمهم، مما يجعل مسألة الإثبات في هذه الحالة أمرا صعبا، لا سيما إذا تعلق الأمر بحالة الخطر المحدق”.
تعليل المحكمة
رأت المحكمة الإدارية بوجدة أن “الجماعة تتحمل المسؤولية الإدارية عن الأضرار اللاحقة بالمدعية بسبب أن الوسيلة التي نهجتها في محاربة الكلاب الضالة من خلال القتل بواسطة الرصاص الحي جاءت خارج الضوابط القانونية للاتفاقية الموقعة في 2019، مما يشكل معه خطأ مرفقيا طبقا للفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود”، الذي يحدد أن مسؤولية الدولة تقوم في حالتين، الأولى حصول الضرر مباشرة من تسيير إدارتها، أي المسؤولية بدون خطأ، والحالة الثانية هي المسؤولية الناتجة عن خطأ مصلحي.
المحكمة أشارت إلى مقتضيات المادة 100 من القانون التنظيمي رقم 114.13 المتعلق بالجماعات الترابية، التي تنص على ضرورة “اتخاذ رئيس الجماعة التدابير الضرورية لتفادي شروط البهائم المؤذية والضارة والقيام بمراقبة الحيوانات الأليفة وجمع الكلاب الضالة ومكافحة داء السعار وكل مرض آخر يهدد الحيوانات الأليفة”.
وأوضح الحكم أنه يتبين من مضمون المادة أعلاه أن “محاربة الكلاب الضالة وتخليص الساكنة منها يعتبر من المسؤوليات والاختصاصات الملقاة على عاتق الجماعة الترابية بواسطة رئيسيها، باعتباره المكلف بمجال الضبط الإداري والساهر على توفير السكينة العامة والوقاية الصحية من خلال محاربة كافة الظواهر السلبية التي لها مساس بالبيئة الصحية للمواطن”.
وشددت المحكمة على أن المادة 100 من القانون سالف الذكر أبرزت وسيلة محاربة ظاهرة الكلاب الضالة من خلال استعمال مصطلح “جمع”، وليس القضاء عليها أو قلتها، وأن الاتفاقية الموقعة في 2019 تدعو لاعتماد مقاربة علمية أبانت عن فعاليتها في بعض الدول، مع احترام معايير الرفق بالحيوان من خلال اللجوء إلى عمليات التعقيم الجراحية لمنع تكاثرها وتناسلها، وتلقيحها ضد الأمراض التي قد تصيبها، وجمعها في أماكن خاصة بها.
وجاء في الحكم أن “لجوء الجماعة إلى قتل الكلاب الضالة بوسيلة الذخيرة الحية مشروط بأن يكون القتل هو الوسيلة الوحيدة لكف أذاها وضررها، مع مراعاة الإحسان في قتلها، وهو ما لم تثبته. ولذلك، فإن نهج وسيلة القتل بالرصاص الحي مخالف لمقتضيات المادة 100”.
وسيلة غير حضارية
اعتبر القضاء الإداري في هذا الحكم غير المسبوق أن “القتل يعتبر وسيلة غير حضارية، لكونه طريقة عتيقة ممتدة منذ الأزمنة الغابرة لم تبق مقبولة وأصبحت متجاوزة وتتم بطرق وحشية كإطلاق الرصاص والتسميم وتثير انتقادات مجموعة من المنظمات الوطنية والدولية المهتمة بحماية الحيوانات”.
وذهب قضاء المحكمة الإدارية بوجدة إلى أن “تطور المجتمع لا يقاس بتعامله مع البشر فقط، وإنما بتعامله أيضا مع الحيوانات، وهو الأمر الذي يفرض اللجوء إلى بدائل لاحتواء الظاهرة في إطار حضاري يلائم مقتضيات العصر”.
وأضاف الحكم أن “وسيلة القتل تتنافى مع أداء الدين الإسلامي الحنيف، حيث إن الإسلام لا يبيح قتل حيوان أو طائر لغير فائدة ضرورية، كما أنه يحث على معاملة الحيوان بالشفقة والعطل وليس بالاستهان أو التعدي عليه وقتله”.
اعتبرت المحكمة الإدارية بوجدة أن “مبدأ التناسب يقتضي أن يكون تدخل الإدارة مشروعا ومناسبا وضروريا ومعقولا يستهدف تحقيق غاية عامة ومشروعة”، وأضافت أنه يمكن تصوير محتوى وهدف إعمال مبدأ التناسب بمقولة “لا يطلق النار على العصافير باستعمال المدافع”، مما يقتضي أن تكون الوسائل التي تلجأ إليها الجماعة لمحاربة الكلاب الضالة مناسبة وضرورية وتتسم بالعقلانية.
ركن الخطأ ثابت في حق الجماعة، في نظر القضاء الإداري، وذلك للجوئها إلى وسيلة القتل بواسطة الرصاص عن طريق قناصة يترصفون لفائدة الجماعة دون سند قانوني ودون مراعاة ظروف الزمان والمكان باعتبار أن الحملات تمت داخل المجال العمراني للجماعة الذي يمتاز بكثافة سكانية، ما ترتب عنه ترويع للمواطنين جراء أصوات الرصاص وآثار الدماء
منقول عن صفحة facebook.com/abdessadiq.elmajdoubi
التعبيراتالتعبيرات
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.