في إطار الرؤية الملكية السامية التي وضعها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، والتي تهدف إلى تحديث الإدارة العمومية وجعلها في خدمة المواطنين بشكل فعال وشفاف، جاء إصلاح نظام الحالة المدنية كخطوة استراتيجية نحو تحقيق هذا الهدف. وقد أكد جلالة الملك في مناسبات عدة على أهمية تعزيز ثقة المواطن في الإدارة وتبسيط الإجراءات الإدارية، داعيًا إلى اعتماد التكنولوجيا الحديثة كرافعة لتطوير الأداء الإداري وضمان الجودة في تقديم الخدمات.
وقد جاء القانون رقم 36.21 المتعلق بالحالة المدنية، المؤطر بمرسومه التطبيقي رقم 2.22.04 الصادر في الجريدة الرسمية بتاريخ 6 يوليوز 2023، ليُحدث تحولًا نوعيًا في تحسين جودة الخدمات المقدمة لمرتفقي الجماعة، من خلال اعتماد آليات حديثة تواكب العصر الرقمي وتُعزز من شفافية الأداء الإداري.
اعتمد المغرب السجل الوطني الإلكتروني للحالة المدنية، الذي يمثل أحد الركائز الأساسية للإصلاح. هذا السجل الرقمي يُتيح تجميع كل البيانات المتعلقة بالحالة المدنية في منصة موحدة، مما يُسهل الوصول إلى المعلومات ويضمن دقتها وأمانها. بالإضافة إلى ذلك، يسمح هذا السجل بتسريع معالجة الطلبات الإدارية، سواء تعلق الأمر بالتصريحات أو بإصدار الوثائق المدنية، في آجال قصيرة وبكفاءة عالية. هذه الرقمنة قلّصت الحاجة إلى التعاملات الورقية، التي كانت تشكل عائقًا في السابق أمام السرعة والجودة في تقديم الخدمات.
كما أطلق القانون الجديد منصة إلكترونية تتيح للمواطنين تقديم طلباتهم والحصول على الوثائق دون الحاجة إلى التنقل إلى مكاتب الحالة المدنية. تشمل هذه الخدمة التصريح بالولادات والوفيات، استخراج نسخ رسوم الحالة المدنية بمختلف أنواعها، والاطلاع على المستجدات المرتبطة بحالتهم المدنية. وقد مكنت هذه المنصة من تقليل الاكتظاظ في المكاتب الإدارية وتحقيق تجربة مريحة وسريعة للمرتفقين، مع ضمان أعلى مستويات الشفافية والموثوقية في معالجة الطلبات.
من جهة أخرى، عززت التقنيات الحديثة الثقة في الوثائق الإدارية من خلال اعتماد التوقيعات الإلكترونية المؤهلة والختم الزمني. هذه الآلية القانونية، المنصوص عليها في المرسوم التطبيقي، تضفي على الوثائق الإلكترونية مصداقية تضاهي الوثائق الورقية، مع ضمان عدم إمكانية التلاعب بمحتوياتها. كما يسّرت هذه التكنولوجيا عملية التحقق من صحة الوثائق، مما يساهم في تقليص حالات الاحتيال.
التطوير لم يقتصر فقط على تقديم الخدمات، بل شمل أيضًا تحسين البنية التحتية المعلوماتية وربط مختلف مكاتب الحالة المدنية بشبكة رقمية متكاملة. هذه الشبكة تُتيح تحديث البيانات بشكل آني، مما يسهل التنسيق بين المكاتب المحلية والقنصليات المغربية بالخارج، ويُعزز دقة المعطيات المسجلة. إلى جانب ذلك، أُنشئت آليات لمراقبة وتتبع أداء ضباط الحالة المدنية من خلال النظام المعلوماتي، مما ساهم في تقليل الأخطاء وتحسين جودة الأداء الإداري.
إضافة إلى ذلك، مكّنت التقنيات الحديثة من توفير إحصائيات دقيقة عبر السجل الوطني، ما يُساعد على التخطيط السليم للسياسات العمومية، خاصة تلك المرتبطة بالبرامج الاجتماعية وتحديد المستفيدين من الدعم الاجتماعي. هذا الاستخدام الذكي للبيانات يعزز من قدرة الدولة على الاستجابة بشكل فعال لحاجيات المواطنين وتحسين تخصيص الموارد.
في الختام، يُعد تحديث نظام الحالة المدنية في المغرب تجربة رائدة في مجال التحول الرقمي للإدارة العمومية. بفضل القانون 36.21 ومرسومه التطبيقي، تم الارتقاء بجودة الخدمات المقدمة، وتيسير الإجراءات، وتعزيز الشفافية والمصداقية.
كل هذه الإصلاحات، تأتي في إطار التوجيهات الملكية السامية، و تعكس التزام جلالة الملك ببناء إدارة قريبة من المواطن، فعالة، ومتوافقة مع متطلبات العصر الرقمي. كما تؤكد حرص المملكة على تعزيز الشفافية والكفاءة في تقديم الخدمات العمومية، بما يساهم في تحقيق التنمية المستدامة ويرسخ مكانة المغرب كدولة رائدة في مجال التحول الرقمي.
التعبيراتالتعبيرات
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.